AYMEN ETTAYEB أيمن التائب
أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعوبًا مُظَللة و فتنة و غوغاءًا و لصوصا في السلطة و حروبا و تقسيما و كل ما تريده.
أعطني إعلاما بلا ضمير أسرق لك القلوب و العقول و أجيرها لك حطبا و وقودا لإنتخاباتك و لحروبك.
نعم هذه عينة مما يمكن للإعلام أن يفعله: كيف يصنع الأفكار و يصدرها و يقنع بها الملايين، كيف يقلب الحق باطلا و الباطل حقا و الوغد بطلا و الطائفية منهجا في التفكير و الحياة و الخيانة وجهة نظر.
و لأن دور الإعلام خطير و مأثر إلى هذا الحد، طبيعي أن يسعى الإستعمار ممثلا في منظومة البترودولار ، أن يسعى لإستهداف الرأي العام و توجيهه و ضرب و خنق كل صوت يغرد خارج السرب يعمل لتوعية الناس و تحريرهم و زرع الثقافة الحقيقية فيهم: ثقافة لاهوت التحرير و المقاومة و الحب و الإبداع، الثقافة التي تبني و لا تهدم، تبني الوطن عبر بناء إنسانه و حجره على السواء.
في هذا الإطار عملت منظومة البترودولار هذه على إغراق السوق بالماركات و المنتجات الإعلامية المختلفة حتى تصل لأكبر شريحة ممكنة من الشعوب و تضمن أكبر قدر ممكن من الإستهلاك للأفكار التي تروجها.
بالتوازي مع هذا الإغراق الإعلامي و الضخ المركز لأفكارها اللئيمة و الهدامة، لا تتدخر هذه المنظومة وسعا لشراء الذمم و الضمائر و تكفينا عينة من وثائق الويكليكس حتى نعرف بعضا من إنفاق السعودية على رشوة الأقلام و التلفزيونات من أجل تجميل صورتها و خدمة مشروعها و معاقبة منتقديها و التحريض على المقاومة.
كما في أي مشروع فإن الدعاية هي أحد أعمدة نجاح هذا المشروع و الترويج له و إقناع الناس به، و آلة الدعاية الأمريكية النفطية رائدة في هذا المجال.
مثلا كيف إنتشر و ينتشر الفكر التكفيري ؟ بالإعلام
كيف نظمت إنقلابها الفاشل على هوغو تشافيز ؟ بالإعلام
كيف تكسب الإنتخابات ؟ بلوبيات المال و الإعلام
كيف تقوم بتجهيل الشعوب العربية ؟ بالإعلام
كيف طمست الذاكرة و جهلت شعوب العالم حتى تبنت هذه الشعوب فكرة حق كيان محتل و غاصب إسمه إسرائيل في الوجود على أرض فلسطين ؟ بالإعلام
كيف روجوا لإحتلال العراق ؟ بالإعلام
كيف إحتلوا ليبيا باعوها و دمروها ؟ بالإعلام
كيف نشروا الفتنة ؟ بالإعلام
كيف حشدوا للحرب على اليمن ؟ بالإعلام
كيف حشدوا لحربهم الكونية على سوريا ؟ بالإعلام
كيف نظموا الثورات الملونة ؟ بالإعلام
ماذا يقصد جيفري فيلتمان عندما قال قبل سنوات أنهم أنفقوا 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله ؟ يقصد 500 مليون دولار في الإعلام
على ماذا تعمل USAID ؟ على الأفكار يعني على الإعلام
كيف و كيف و كيف و كيف ؟؟؟؟ بالإعلام....كل شيء بالدعاية كل شيء بالإعلام.
لذلك يخشون الإعلام الواعي و المقاوم الذي يسعى لإستعادة عقول الناس المُجَهَلَة و المُظَلَلَة، الإعلام الذي يسعى لكشف المخططات التدميرية و التقسيمية و الفتنوية للوبيات البترودولار و منفذيها الصغار و الكبار على حد سواء ، الإعلام الذي يبني و يحرر و لا يهدم.
اليوم الميادين هي عنوان هذا الإستهداف لأنها أولا صوت المقاومة و لاهوت التحرير و ثانيا لأنها صوت قوي جدا و مؤثر جدا، نجحت عبر صدقها و إيمانها بالأرض و الإنسان في أن تستقطب القلوب و العقول و المحبين، فضحت مشروع الفتنة و التجهيل و التقسيم و الفوضى الخلاقة...و إستعادت البوصلة و هزمت إعلام البترودولار في غير مناسبة و هي تكبر و تنتشر يوما بعد يوم.
لذلك كان الهجوم السعودي عليها بهذا المستوى: قطع بثها عن العربسات و الطلب من الحكومة اللبنانية أن تطردها و إلا فإنهم سينقلون شركتهم المشغلة لهذا القمر إلى خارج لبنان.
الميادين لم تكن أول المُستَهدفين و لن تكون أخرهم ، بالأمس قناتي المنار و تيلي سور و بالأمس القريب و البعيد بشهادة الويكيلكس كانت جريدة الأخبار و غدا لا ندري من، لكن الأكيد أن كل صوت حر هو هدف مشروع عند مملكة القهر.
لأجل هذا و أكثر أنا مع الميادين لأنني مع المقاومة و مع فلسطين و مع حفظ وجودنا في هذا الشرق...هذه هي القضية بكل وضوح قبل أن تكون قضية حرية إعلام و ما إلى ذلك.
كما يخوض الإستعمار و أدواته حربا عسكرية قاسية لا رحمة فيها و لا هوادة ضد محور المقاومة في سوريا و فلسطين و العراق و اليمن و في كل مكان من هذا العالم، فإن هذا الإستعمار يخوض أيضا بالتوازي مع حربه العسكرية هذه حربا فكرية و ثقافية قوامها و أساسها الإعلام.
من هنا جاءت كلمة السيد حسن نصر الله خلال ملتقى علماء المقاومة (الجمعة 6/11/2015) كتشخيص دقيق و صريح لخطورة حرب الأفكار و الإعلام هذه و التي قدم فيها السيد شواهد كثيرة على نجاح الإسرائيلي فيها.
أبرز هذه الشواهد هي عدم إهتمام أغلبية ساحقة من المواطنين العرب بفلسطين بمعنى أن فلسطين لا تسكن وجدانهم و ليست قضية يحملون همها حقا، هي قضية موسمية في الماضي كانت تتحرك لها بعض العواطف، و اليوم إنحسرت تلك العواطف كثيرا و إنقلبت كرها للفلسطنيين عند قسم غير قليل.
أما من وقف و يقف مع فلسطين و مقاومتها، إقتسم و يقتسم معها قوت يومه ، إختلطت دماءه بدماء مقاوميها و نصرها يوم عز الناصرون فأصبح بقدرة قادر عند كثير من الجماهير الفلسطنية و العربية عموما عدوا قتاله أولى من قتال إسرائيل (سبحان مغير الأحوال). نعم هكذا نجحت إسرائيل عبر الإعلام في سحر عقول الناس و تلويث نفوسهم بالطائفية و الغباء القاتل. زرعت الفتنة، رعتها و نشرتها، تحرص على إلقاء الحطب فيها حتى تبقى مشتعلة و لا تنطفئ أبدا، حتى تدمر هذا الشرق و تحشر المقاومة في حروب زواريبه و تقسيماته التي يُعمل على إِستيلادها و صنعها، حتى يبقى هذا الكيان معمرا أكثر و أكثر و أكثر، سيدا فوق التلة و تحته قطعان الطوائف يديرها و يدير إقتتالها.
السيد دق ناقوس الخطر لأن إسرائيل تقدمت فعلا في معركة الأفكار و الوعي هذه.
يكفي أن نرى كيف أن الطائفية قد غزت الشارع الفلسطيني الذي يرزخ أصلا تحت الإنقسام ، كيف أن مئات من الشباب الفلسطيني يترك المحتل الذي هو على بعد خطوات منه، ليلتحق بالقاعدة و تفريخاتها في سورية و العراق، كيف أن قسما كبيرا من الجماهير العربية يفكر بطريقة طائفية مقيتة و غبية و ينظر للمعركة أنها حرب بين السنة و الشيعة.
هذه المكاسب التي حققها الإسرائيلي في ضرب الوعي و تأليب الناس على المقاومة و محورها الذي هو محور فلسطين ، ما كانت لتتحقق لولا سلاحي الإعلام و الدين...الإعلام المأجور و الدين المأجور.
بناءًا على هذا كان مؤتمر علماء المقاومة و كانت دعوة السيد لتشخيص الأمور بصراحة و موضوعية و البحث عن حلول حقيقية و عملية تستعيد القلوب و العقول المخطوفة و المغسولة و معها تعود الرؤية واضحة و البوصلة صحيحة: هذه فلسطن و هذا محورها و نقطة إلى السطر.
الحلول في إعتقادي تكمن في برنامج عمل متكامل محوره الإعلام لنشر الوعي و تصحيح البوصلة، و هنا دعوة لكل وسائل الإعلام (الميادين، الأخبار، المنار، تيلي سور...إلخ) المؤمنة بهذا النهج أن تجتمع فيما بينها و معها النخب الوطنية و تدرس و تقترح و تخرج ببرنامج عمل موحد يخدم هذا الهدف.
لما لا تكون هناك جلسات نقاش مفتوحة للعموم يتقدم فيها من يرغب من الناس بورقة يعرض فيها أفكاره و إقتراحاته العملية لتحقيق هذا الهدف ؟
أيضا المدارس و الكشافة و المصائف مهمة جدا لزرع الأفكار الوطنية و الإنسانية الصحيحة عند الجيل القادم حتى لا نجد أنفسنا أمام جيل مُظلَلٍ و مُجَهَلٍ كحال جيلنا اليوم.
ربما في مرحلة لاحقة بعد أن تنضج خطة هذا العمل و تتبلور، يصار إلى تجريبها و تحسينها و من ثم نشرها و تعميمها حيثما أمكن سواء عبر إشهارها و تقديم أنشطتها في الإعلام و لما لا إنشاء نسخ منها في عدد من الدول العربية.
أما بالنسبة للدين، فقناعتي هي أن تنقية التراث الإسلامي تحديدا و إستعادة الخطاب الديني الحقيقي الذي هو في جوهره خطاب الإنسان و لاهوت التحرير و المقاومة و غيفارا ، هي أولوية ملحة تحتاج لمفكرين متنورين و صادقين و لإعلام يواكبهم.
مؤتمر علماء المقاومة إنجاز مهم للبناء عليه، لنشر ثقافة المحبة و المقاومة و يا حبذا لو يتوسع ليشمل إخوتنا المسيحيين من العرب و من أميركا اللاتينية و من أي مكان في العالم لأن المقاومة هي دين و ديدن كل الناس و هي عابرة لكل الأديان و الأيديولوجيات.
أفكار صافية نقية لاهوت التحرير و المقاومة و الحب نهجها و الأرض و الإنسان عنوانها مع إعلام ينشرها و يصل بها إلى كل الناس، يخاطب بها القلوب و العقول ، هذه الأفكار هي الحل الذي يجب أن يعمل كل المخلصين و الوطنيين من أجله.
بالتوازي مع جبهة الأفكار هذه، فلتبقى الجبهات العسكرية مشتعلة، تقاتل من أجلنا جميعا، من أجل حفظ وجودنا في هذا الشرق و من أجل
عودة فلسطين....كل فلسطين.
( 7-11-2015 كتبت هذا النص بتاريخ )